مشكلة التزايد المستمر في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتزايد التكاليف المعيشية أصبحت قضية مطروحة على المستوى العالمي، وعلى رأس جداول الأعمال الدولية، وتثير هذه المشكلة مخاوف أطلق عليها تسميةً " تسونامي اقتصادي أنساني، وان هذه المشكلة تولدت اضطرابات ومظاهرات في الكثير من دول العالم.
ومن أحدث هذه المظاهرات مشاركة تونسيين في احتجاجات على ارتفاع الأسعار في مدينة رديف، حيث تحولت إلى اشتباك بين الشرطة والمحتجين، و إن الشرطة اعتقلت أكثر من 20 شخصاً.
المظاهرات جرت على مدى ثلاثة أيام، كما جرت تظاهرات مماثلة منذ أيام في مصر، ومثلها في الصومال، فيما تعم الشكوى معظم الدول العربية تقريباً، وغيرها من دول العالم.
مائة مليون شخص يهوون الى قاع الفقر
وقال مسؤول كبير بالبنك الدولي ان تضاعف أسعار الغذاء خلال السنوات الثلاث الاخيرة قد يهوي بمئة مليون شخص في دول منخفضة الدخل في أعماق الفقر ويزيد معدلات الفقر في العالم بما يصل الى ثلاث نقاط مئوية الى خمس نقاط.
وقال مارسيلو جيوجيل مدير ادارة خفض الفقر التابعة للبنك الدولي في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي "عندما لا يوجد بديل وبرامج مساعدة اجتماعية فبحسب بيانات أولية يمكن أن ترتفع معدلات الفقر من ثلاث نقاط مئوية الى خمسة". بحسب" ميدل ايست اونلاين"
وأوضح أن البديل يتمثل في استخدام منتجات زراعية وأغذية مزروعة محليا لا يتم تداولها عالميا وبالتالي قد يكون استهلاكها أرخص.
وأضاف جيوجيل "الدراسات التي اطلعت عليها تفيد أن هناك 100 مليون شخص في أنحاء العالم" يواجهون الفقر الشديد.
ورأى أن هناك خمسة عوامل تساهم في تشكل "عاصفة كاملة" بالنسبة لاسعار الغذاء وهي حماية ودعم انتاج الحبوب من أجل انتاج الوقود الحيوي "الذي سحب انتاج السوق لتغذية سوق الطاقة" وارتفاع تكاليف وقود الديزل والاسمدة التي تستخدم لانتاج الغذاء.
وتابع أن من بين تلك العوامل أيضا المناخ السيئ في مناطق كانت في العادة مناطق انتاج كبير مثل استراليا التي واجهت أجزاء منها أسوأ موجة جفاف منذ 100 عام.
وهناك عامل اخر هو المؤشر القوي في اسيا على التحول الى زيادة استهلاك البروتينات من اللحوم والدواجن وهو ما يتطلب انتاج مزيد من الحبوب.
والعامل الاخير هو الاشتباه في أنه خلال الشهور الستة الاخيرة حين زادت البنوك المركزية مستويات الاحتياطيات اللازمة لدى البنوك لمنع حدوث أزمة ائتمان اتجهت الاموال الى التعاملات المالية الاجلة المرتبطة بالاغذية.
وقال جيوجيل "لدينا فكرة طيبة بشأن الدول التي استثمرت في برامج مساعدة اجتماعية أكثر براعة منها في الماضي. المكسيك والبرازيل وكولومبيا وغواتيمالا وبيرو".
وتابع "انها هامة جدا لاننا سنختبر تلك الانظمة الان لنعرف ان كانت فعالة. سنرى الان مدى قوتها واذا كانت مجدية فهذا سيسلط الضوء على كل الدول الاخرى التي ليس لديها نفس النوع من (برامج) المساعدة وستبدأ في التفكير بشأنها".
وتسبب الغضب الناجم عن ارتفاع أسعار الطعام والوقود في تفجر اضطرابات اتسمت بالعنف في مناطق شتى من العالم خلال الستة أشهر الماضية. و ان الأوضاع الانسانية المتدهورة في مناطق مثل الأراضي الفلسطينية والعراق والصومال وكينيا ودارفور، والعواقب الانسانية لارتفاع أسعار الغذاء وتغير المناخ بحاجة إلى استجابة عالمية منسقة وشاملة.
في موريتانيا و موزمبيق نزل المواطنون الغاضبون إلى الشوارع وشهدت المكسيك " احتجاجات رغيف الخبز" واشتبك المزارعون مع الشرطة في شرق الهند وشارك مئات المسلمين في مسيرات مطالبة بخفض أسعار الطعام في اندونيسيا.
ولجأت الحكومات إلى فرض قيود على الأسعار ووضع سقف للتصدير وفي أحيان خفضت الرسوم الجمركية لتهدئة الناس الذين يعطونها أصواتهم في الانتخابات لكن في شوارع أفريقيا كلها طالب الناخبون حكوماتهم ببذل مزيد من الجهد. بحسب رويترز.
وفي مصر والفلبين، يشكل ارتفاع أسعار الغذاء، والنقص الخطير في كمياته المخزونة، تهديدات خطيرة للنظامين الحاكمين في كلا البلدين. ففي مصر، أعادت طوابير الخبز المصطفة أمام المخابز، والزيادات الحادة في أسعار المواد الغذائية إلى الأذهان ذكرى مظاهرات الخبز عام 1977. وبالفلبين، أدى النقص الشديد في المخزون من الأرز، إلى إجبار المطاعم الكبرى في البلاد، على الاكتفاء بتقديم نصف الكمية المطلوبة من وجبات الأرز التي يطلبها الزبائن.
في الوقت الراهن، تكافح الفلبين، وهي أكبر دولة مستوردة للأرز على مستوى العالم، للحصول على كميات تتراوح ما بين 1.8 مليون إلى 2.1 مليون طن من الأرز من السوق العالمية لتغطية النقص في محصولها هذا العام. وكما هو الحال في مانيلا، فإن القاهرة أيضاً، تخشى أن يجبر الجوع الفقراء على الخروج إلى الشوارع في مظاهرات غير منظمة، ويحتمل أن تكون خطيرة.
ودعت الرئيسة الارجنتينية كريستينا فرنانديز المزارعين المضربين لانهاء اغلاق الشوارع خلال إضرابهم المستمر منذ 20 يوما مما تسبب في نقص في الأغذية.
وقالت للالاف من أنصارها الذين احتشدوا أمام قصر الرئاسة في العاصمة بوينس ايرس "لا تؤذوا الناس أكثر من ذلك.. ارفعوا اغلاق الطرق حتى يستطيع الأرجنتينيون الحصول على الطعام."
وكانت الحكومة الأرجنتينية قررت زيادة الضرائب على صادرات فول الصويا مما أثار إضراب المزارعين.
وبدأ الإضراب في 13 مارس آذار مما تسبب في نقص الأغذية وشل صادرات الحبوب وشكل أكبر أزمة سياسية بالنسبة لفرنانديز. وفي الأسبوع الماضي أثار القرار احتجاجات قرع فيها أبناء الطبقة المتوسطة أوعية الطعام تأييدا للمزارعين. بحسب رويترز.
وأعلنت مصادر هايتية إن أربعة أشخاص قتلوا بالرصاص وأحرقت ثلاث آليات تابعة للأمم المتحدة في مدينة كايي جنوب هايتي خلال تظاهرات شهدت أعمال عنف احتجاجا على الفقر وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وقال السناتور غابرييل فورتونيه ان اربعة اشخاص قتلوا وجرح 15 آخرون بالرصاص و16 بالسلاح الأبيض في أعمال عنف تلت نهب شاحنات ومستودعات لمواد غذائية في مدينة كايي التي تبعد 190 كلم جنوب العاصمة. بحسب فرانس برس.
وارتفعت أسعار الغذاء العالمية بناء على سجلات الأمم المتحدة بنسبة 35 في المائة على مدار عام حتى يناير كانون الثاني لتتسارع وبدرجة ملحوظة وتيرة الاتجاه الصعودي الذي بدأ على استحياء في عام 2002.ومنذ ذلك الحين ارتفعت الأسعار بنسبة 65 في المائة.
وفي عام 2007 وحده ارتفعت أسعار منتجات الالبان بنحو 80 في المئة والحبوب بنسبة 42 في المئة وفقا لمؤشر الغذاء العالمي الذي تصدره منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة.
وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية تقريراً في باريس حول “مظاهرات الجوع”، جاء فيه:
تتكثف النداءات الداعية إلى مبادرات من الدول الغنية لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الوقت الذي يشهد فيه العالم تظاهرات ضد الجوع وغلاء الأسعار في العالم وتجتاح حالياً هايتي. ودعا رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون في رسالة إلى نظيره الياباني ياسو فركودا الذي تترأس بلاده مجموعة الثماني، إلى بحث اثر المحروقات على أسعار المواد الغذائية، وذلك خلال قمة مجموعة الدول الثماني الأكثر تصنيعاً في العالم التي ستعقد في يوليو/ تموز في اليابان. وجاء في الرسالة ان ارتفاع أسعار المواد الغذائية يهدد بالغاء التقدم الذي حققناه في السنوات الماضية في مجال التنمية. ولأول مرة منذ عقود يسجل عدد الناس الذين يعانون من الجوع ارتفاعاً”.