تعتبر ظاهرة الفقر، ظاهرة جد مهمة في تحديد الملامح العامة لأي اقتصاد من اقتصاديات الدول،فهي ظاهرة لا تخلو أي دولة منها سواء كانت متقدمة أو متخلفة، وهي قضية مألوفة ومتناولة من حيث أنها ظاهرة اقتصادية، واجتماعية، لجميع الشعوب والحضارات، والمجتمعات، وفي جميع العصور. إضافة إلى أن كل الأديان تطرقت إليها، وخاصة الدين الإسلامي من حيث ذكر واجب الأغنياء تجاه الفقراء، ووضع الحلول اللازمة له إلا أن الاختلاف يكمن في درجة التفاوت من حيث النسبة الموجودة، إذ هناك فجوة كبيرة بين أعداد الفقراء في الدول المتقدمة ( الغنية) عنه في الدول المتخلفة (الفقيرة)، ولذلك يعتبر الفقر سمة أساسية، وظاهرة لا يمكن إغفالها في الدول المتخلفة.
إن الفقر، إضافة إلى معطيات أخرى (كالجوع، والمرض، والجهل، ونقص الفرصة للتنمية الذاتية، هي قدر الغالبية العظمى من الناس، في البلدان المتخلفة، والفقر هناك ليس شيئا جديدا. وإنما الجديد هو إدراك هذا الفقر والعمل للقضاء عليه(1).
إلا أن فقر الدول المتخلفة لا يعتبر دليلا على عدم وجود العوامل والقوى الكامنة المؤدية إلى التقدم، وإنما هو الافتقار إلى الطرق والوسائل التي بواسطتها يمكن لهذه العوامل وتلك القوى أن تصبح قادرة على خلق نمو منشود.
و لقد تغيرت النظرة لهذه الظاهرة وطرق التعامل معها حديثا عن الفترات السابقة، وخلال النصف الثاني من القرن العشرين، كثر الحديث عن هذه الظاهرة في أدبيات الأمم المتحدة، وجعلها قضية عالمية، حيث تم تصنيف البلدان إلى غنية وفقيرة، ووضعت مقاييس ومؤشرات للفقر في مستوى البلدان وكذلك الأفراد مع مراعاة النسبية، فالفقير في الجزائر لا يقاس بنفس المقاييس التي يقاس بها الفقير في أمريكا، وبالتالي توسع الاهتمام بظاهرة الفقر من المجال الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع من المجتمعات إلى مجال العلاقات الدولية(2).
وسنحاول في هذه المداخلة التطرق إلى موضوع الفقر من خلال ماهيته، أنواعه، أسبابه، ومختلف الأمور المرتبطة به، إضافة إلى التطرق إلى هذه الظاهرة في بعض الدول العربية والإسلامية.
1- ماهية الفقر وأنواعه
يمكن تعريف الفقر لغة بالنقص والحاجة، فالفرد لا يكون فقيرا إلى شيء ما إلا إذا كان في حاجة إليه لعدم توفره أو نقصانه دون الحاجة. أما المعنى الذي بواسطته يتمكن الإنسان من تلبية حاجاته من مأكل وملبس ومسكن...الخ.(3)
ولقد صدر منشور في الأمم المتحدة في مارس 1999 تعرض للصور والأشكال التي يتخذها الفقر والتي تتضمن انعدام الدخل والموارد المنتجة الكافية لضمان مستوى معيشي لائق. ومن مظاهره الجوع وسوء التغذية، وسوء الصحة ومحدودية التعليم، وغيره من الخدمات الأساسية. وانتشار الأمراض والوفيات وانعدام السكن غير المناسب، وعدم وجود الأمن. إضافة إلى انعدام المشاركة في صنع القرارات في الحياة المدنية والاجتماعية. (4)
ورغم أن المفهوم الاقتصادي والاجتماعي حول هذه الظاهرة هو الشائع.إلا أن الفقر كثيرا ما يضاف إلى أشياء أخرى كفقر الدم، والفقر الذهني...الخ. ولقد تطور مفهوم الفقر في العصر الحديث، باعتباره الحاجة إلى الشيء الغائب أو الناقص إلى غياب القدرة على تحقيق الحاجة، ولقد قامت الهيئات الدولية، بتحديد عتبة الفقر حسب محتوى المعيشة في كل بلد، مقدرة هذه العتبة بمعدل دخل فردي لا يتجاوز الدولارين في اليوم، أما دون الدولار الواحد فهو علامة على الفقر المدقع(5).
فالفقر أضحى حاليا إشكالية محيرة في العصر الراهن، فرغم التقدم التكنولوجي الكبير الذي شهده العالم، ارتفاع وتأثر الإنتاج العالمي بشكل غير مسبوق.والتطور الاقتصادي المذهل في حياة البشرية. لازال الفقر يشكل التحدي الأكبر الذي يطرحه العالم، وضمن هذا السياق من المفيد الإشارة إلى أن كبار منظري السوسيولوجيا الدولية أمثال (Ferd Haliddie ) و(Antonnie Guidenz )، يعتبرون الفقر وسوء توزيع الدخل العالمي هما التحدي الأكبر الذي يواجه عالم القرن الواحد والعشرين.
وهنا يمكننا ذكر هذه الأرقام التي تبين عمق مشكلة الفقر العالمي، فهي تشير إلى أن ما يقارب 1.2 إلى 1.3 مليار من البشر، أي ما يعادل خمس البشرية مازالو يعتبرون فقراء
جدا ، أي أنهم يعيشون على دولار واحد أو أقل في اليوم(6).
ويمكن التمييز بين نوعين من الفقر:
-الفقر الثابت المتواصل وهو جماعي هيكلي.
-الفقر الطارئ أو الظرفي الناجم عن أزمة اقتصادية أو عسكرية أو سياسية عابرة، أو كارثة طبيعية، والذي يمكن تجاوزه بالتضامن الشعبي والدولي.
هذا ويعتبر الفقر في الوطن العربي والإسلامي سمة رئيسية رغم الموارد الاقتصادية الكبيرة التي حبا الله بها مجتمعاتنا وتنوعها بين الصناعة والزراعة والأيدي العاملة، بالإضافة إلى النفط. إن الفقر بمختلف مظاهره يشكل ألما في قلب الوطن العربي الذي يصنف في مجمله صمن دول الدخل المتوسط المنخفض، وبالتالي يندرج ضمن الدول والمناطق الأقل دخلا في العالم، إلا أنه هناك دول غنية وأخرى فقيرة. وهذا لم يمنع من وجود فقراء داخل الدول الغنية، وفئة قليلة فاحشة الثراء ضمن هذه الدول(7)، فدول العالم العربي تنقسم من حيث الثروة والفقر إلى(
:
- مجموعة الأقطار النفطية الغنية: وتضم مجلس التعاون الخليجي وليبيا.
- مجموعة الأقطار متوسطة الدخل: مصر، العراق، الأردن، سوريا، المغرب، تونس والجزائر.
-مجموعة الأقطار الفقيرة: وتشمل السودان، اليمن، الصومال، موريتانيا، جيبوتي وفلسطين.
2-أسباب الفقر في الدول العربية:
الأسباب الاقتصادية للفقر:
على المستوى الوطني:
عادة ما يكون الفقر على مستوى الدولة مصحوبا بانخفاض في الدخل الفردي وعدم المساواة في توزيعه. ويمكن تقسيم الأسباب الاقتصادية إلى مباشرة وغير مباشرة (9)
أ- المباشرة : تلك العوامل ذات الأثر المباشر على متوسط الدخل المتولد على المستوى الوطني وعلى نمط توزيع الدخل في الاقتصاد.
ب- غير المباشرة: هي التي تعمل من خلال الآثار المباشرة، والتي تتمثل في أربعة أسباب:(10)
- انخفاض معدل النمو السنوي في نصيب الفرد من الناتج الوطني الإجمالي.
- انخفاض إنتاجية العمال.
- ارتفاع معدل أعباء الإعالة.
- عدم المساواة في توزيع الدخل.
والشكل رقم 1 يوضح الأسباب الاقتصادية على المستوى الكلي.
وسنحاول التطرق إلى هذه الأسباب بشيء من التفصيل، بالنسبة للسبب الأول ، والمتمثل في انخفاض معدل النمو السنوي في نصيب الفرد من الناتج المحلي، الذي يؤدي إلى انخفاض في الإنتاج وتوليد الدخل، ومن ثم ارتفاع في الفقر، فعلى سبيل المثال،خلال الفترة 1970-1999 كان متوسط معدل النمو السنوي لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سالبا بنسبة بسيطة في الجزائر، وبلغ1.5 % في المغرب، و3.2% في تونس ، ونتيجة لذلك ارتفع معدل البطالة من12 % عام 1990 إلى 18.8 %عام2000 متراوحا ما بين 1.5 % في تونس و30 % في الجزائر وكان الفقر واسع الانتشار خلال التسعينات، فقد ازدادت حالات تفشي الفقر فعلا في كل من الجزائر والمغرب بينما تجمدت على حالها في تونس .( 12)
والعوامل التي يقوم عليها هذا السبب المباشر هي: ارتفاع معدل النمو السكاني، وعدم سلامة سياسات الاقتصاد الكلي، والعوامل الخارجية التي تؤثر في إمكانية الحصول على الموارد على مستوى الدولة وهذه العوامل الخارجية هي: ( 13 )
- تدهور شروط التجارة، وعبء الدين، والحروب ونقص التعاون الإقليمي والدولي، وكذلك عدم سلامة السياسات الحكومية ( السياسة النقدية والمالية مثلا ).
أما السبب الثاني يمكن إرجاعه إلى انخفاض إنتاجية العمالة وتبين النظرية النيوكلاسيكية وجود علاقة نسبية بين الإنتاجية الحدية للعمال والأجور، وتتأثر إنتاجية العمال بثلاث عوامل هي:(14)
- إمكان الحصول على التعليم.
- إمكان الحصول على الخدمات الصحية.
- إمكان الحصول على الأصول والائتمان.
السبب الثالث يتمثل في معدل عبء الإعالة، والذي يشير إلى عدد الأفراد الذين يعولهم كل عامل في المتوسط. وهناك علاقة مباشرة بين قيمة معدل عبء الإعالة في الدولة وبين مستوى الفقر فيها، بافتراض ثبات إنتاجية العمل، ويتأثر هذا المعدل بثلاث أسباب غير مباشرة للفقر وهي:(15)
- معدل مشاركة القوى العاملة.
- مشاركة المرأة في القوى العاملة.
- البطالة .
بالنسبة للسبب الرابع يمكن تلخيصه في توزيع الدخل، والذي يتأثر بدوره بسببين غير مباشرين هما:
- عدم المساواة في توزيع الأصول المادية ، والمالية بين السكان.
- عدم كفاية التحويلات إلى الفقراء
و تميل الدراسات التي مولتها الوكالات المتخصصة التابعة لمنظومة الأمم المتحدة إلى أن التنمية الريفية، سوق العمل، التعليم ...الخ، السبب الرئيسي للفقر في منطقة الوطن العربي ومن أهمها الاعتقاد السائد بأن الفقر من مكونات البنى والعمليات الاجتماعية والاقتصادية التي تساهم في خلق الثروة، وهي ذاتها التي تساهم أيضا في إنتاج الفقر (16).
إضافة إلى كل ما سبق يمكننا إدراج الأسباب التالية : ( 17)
التصحيح الهيكلي الذي كان أمر لا مفر منه، حيث أن صانعي السياسات الاقتصادية طبقوا مختلف السياسات الانكماشية النموذجية ( G ، تخفيض الأجور الدنيا الفعلية، تخفيض سعر الصرف، زيادة معدلات الفائدة الحقيقية )، مع خصخصة الشركات التي يملكها القطاع العام، وتحسين كفاءة الخدمات العامة.
وضع الحرب الذي عاشه الوطن العربي برمته، أو جزء منه خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فان الخوف من الحروب قد برر مستويات عالية للغاية من
الإنفاق العسكري على حساب القطاعات الاقتصادية والبنى التحتية المدنية، والاستثمار المنتج.
النمو السكاني، ففي الدول العربية أعلى معدلات نمو سكاني في العالم، ويؤثر نمو السكان على توزيع الأرض ( في حالة عدم توفر الظروف الملائمة )، فهي ليست مشكلة في حد ذاتها، ويفرض ضغوطا على الانفاق الاجتماعي.
وتؤثر الاتجاهات الاقتصادية على الفقر من خلال الأسواق، وأهمها بالنسبة للفقراء سوق العمل وأسواق السلع التي ينتجها ويستهلكها الفقراء.
إن ضعف خصوبة الأرض، وصغر أحجام الحيازات الزراعية مسئولان أيضا عن فقر الفلاحين، إضافة إلى المستوى غير الكافي للموارد البشرية، إذ يقال بأن الفقر ناجم عن إنتاجية عمل منخفضة ( كما ذكرنا سابقا ).
الارتفاع المتسارع في استثمار الثروة النفطية يؤدي إلى انهيار أسعار النفط وبالتالي تراجع وتيرة التنمية في الوطن العربي وهو الشيء الذي أثر على الاستثمار والأيدي العاملة .(18)
الأزمات المالية تؤدي إلى تعميق الفقر، وجعل عدم مساواة الدخل أكثر سوءا
وذلك بطرق عديدة هي:(19)
- جعل النشاط الاقتصادي أكثر ضعفا.
- تغير الأسعار النسبية ( انخفاض قيمة العملة ).
- خفض الإنفاق المالي.